محبوب العرب: دعم الفن أم دعم القنوات الفضائية

تابع العرب، برنامج محبوب العرب “Arab Idol” (2011-2012) ، 2013، 2014) ، على قناة MBC1 الفضائية، الذي حلّ محل برنامج “Super Star” (2003-2008) ، والذي كان يبث على قناة تلفزيون المستقبل. وكلاهما يعتبر النسخة العربية من برنامج المسابقات الغنائي العالمي: “American Idol” (2002)، الذي استلهم من برنامج: “Pop Idol” (2001) ، من اختراع “سيمون فيلر”، وتطوير شركة “فريمانتل” البريطانية.

ويتابع العرب، على امتداد الوطن العربي، بترقب واهتمام كبيرين، اليوم الذي يتم فيه تصفية المشاركين/ات، ويحبسون أنفاسهم، إثر التصفية الأخيرة، والتصويت النهائي، التي يتم بعده اختيار محبوب العرب، ونجمهم، ويعرف كل من يشارك، أو يشاهد، أو يساهم في التصويت قواعد البرنامج، سواء تطابقت النتيجة مع توقعاته ورغباته، أم لم تطابق.

وأتساءل: ما الذي يدفع جمهوراً عربياً واسعاً لمتابعة البرنامج بحماس شديد؟ ولدفع المال بطواعية وحب، للتصويت للنجم/ة الموعود؟
هل هو التعلق بالغناء الجميل؟ هل هو تشجيع المواهب الشابة ودعمها، والانتصار لأحلام الشباب وآمالهم وطموحهم المشروع؟
لا شك أن كثيرين ممن يتابعون البرنامج، يتعرفون إلى مواهب عربية شابة، من أصول اجتماعية متنوعة؛ أتيح لها أن تقدم أفضل ما لديها من أداء، كي تحظى بفرصة الانطلاق الفني، وأعتقد أن الإنسان العربي يحس من خلال البرنامج أن صوته مهم، ومؤثر، وأنه يشارك في وصول بعض المواطنين العاديين الموهوبين، إلى النجومية، التي لم تكن لتتحقق دون مساهمته، لأن تصويت الجمهور في البرنامج، هو المسؤول عن التصفيات الأولى، والنهائية للمشاركين/ات، حيث يتم اختيار محبوب العرب.

*****
يستغل منتجو البرنامج عطش الناس المتزايد إلى التعبير عن آرائهم بحرية، عن طريق الإدلاء بأصواتهم، للمشاركة في صناعة نجومهم، كما يستغلون المشاعر الوطنية الصادقة لمواطني العالم العربي؛ ليستنفروا- بشكل مباشر حيناً، وبشكل غير مباشر حيناً آخر- المشاعر الإقليمية الضيقة، على حساب الفن وحسن الأداء.

وإذا كان من الصعب، بل من المستحيل أن يطلب من جمهور واسع متنوع، الالتزام بالقواعد الفنية في التحكيم؛ فليس أقل من أن تمارس لجنة التحكيم عملها بشكل مهني، وفني، وتقيِّم أداء المشاركين/ات، اعتماداً على ما قدَّموا، وتلفت النظر لمواطن الضعف لتحسين الأداء، وتقديم الأفضل، مبتعدة عن كيل المديح المعتمد على أسس غير فنية؛ رغبة في نيل رضى جمهور المشاركين/ات، وإرضاء القناة المنتجة. فهل فعلت؟

*****
أعتقد أن هناك دوراً أساسياً للجنة التحكيم، رغم عدم مسؤوليتها المباشرة عن موضوع التصويت.
اللجنة مسؤولة عن اختيار المتسابقين/ات من بين جميع المرشحين/ات، كما أنها المسؤولة عن تقييم أداء الذي بقوا في المسابقة، وتقديم النصائح والإرشادات اللازمة، لكي يكون غناؤهم/ن أفضل، وليبقوا فترة أطول؛ ليس في الحلقة التالية للبرنامج فحسب؛ بل في الحياة الفنية ككل.
ولذا تكون هناك ضرورة ماسة -حين اختيار لجنة التحكيم- لاعتماد المعايير الفنية والمهنية والأكاديمية، بشكل رئيس، هذا المعيار الذي يرجِّح كفة المعرفة والثقافة والعلم، على كفة الجمال وخفة الدم والمظهر البرّاق، دون إهمال الجانب الإعلامي المطلوب، في مثل هذه البرامج.
ولا شك أن البرنامج في حلته القديمة (Super Star)، والثانية (Arab Idol)، قد استعان، في بعض الأحيان، بقامات عالية، لديها خبرات أكاديمية وفنية متميزة؛ إلاّ أنه لجأ لاحقاً إلى الاستعانة ببعض المطربين والمطربات، ممن يفتقرون إلى الخبرة في مجال النقد الفني، لغرض الإبهار الشكلي، واجتذاب المزيد من المشاهدين/ت، وبالتالي المزيد من التصويت، الذي يعني المزيد من المال، دون التفكير بالفائدة الفنية التي يمكن أن تعود على الشباب الطموح الواعد.

*****
كان الفائز/ة في البرنامج القديم، بحصل على لقب “سوبر ستار العرب”، بالإضافة لتسجيل فيديو كليب، وتسجيل ألبوم خاص به، والترويج له بكل الدول العربية.
أما الفائز/ة في البرنامج في حلته الجديدة؛ فيحصل على لقب “محبوب العرب”، وعلى جائزة مالية قدرها 250 ألف ريال سعودي، إضافة إلى عقد فني مع شركة “بلاتينيوم ريكوردز”، وإنتاج ثلاث أغنيات، وتصوير فيديو كليب”.

ومن الملاحظ أن تطوير البرنامج يعتمد على زيادة أجور الفنانين والفنانات، وزيادة الجوائز والحوافز، التي تمنح للمشتركين/ات؛ الذي يؤدي إلى زيادة الأموال الباهظة التي تجنيها القناة الفضائية المنتجة؛ على حساب القيمة الفنية للبرنامج.
“في إجابة عن سؤال للفنان “الياس الرحباني” (الذي كان أحد أعضاء لجنة التحكيم، في البرنامج القديم: سوبر ستار) عن رأيه في المبالغ الكبيرة الّتي حصل عليها نجوم الغناء، في “أراب أيدول”؛ استغرب الرّحباني؛ لكنّه مثل الجميع سمع أنّ بعض المبالغ تخطّت سقف المليون دولار: “كنّا في جلسة خاصّة وهمس لي أحدهم أنّ هناك اتفاقات غير معلنة بين بعض شركات الإنتاج والمحطّات التّلفزيونيّة والنّجوم على المبالغ وارتفاعها، لكنني أصدق أنّ المبالغ تصل إلى حدود مليون دولار للنجوم، وهذا مخيف جداً لأنّ تعاطي النّجوم يختلف أمام هذه المغريات”.
وحول المبالغ الّتي كان يتقاضونها في لجنة تحكيم “سوبر ستار” ضحك الموسيقار وقال: “إنّ الارقام الّتي كنّا نقبضها كانت رمزيّة نسبة إلى ما نسمعه اليوم، وهي لم تتخطّ حدود العشرين ألف دولار، أنا شخصيّاً طلب مني الرّئيس الرّاحل “رفيق الحريري” أن أكون ضمن لجنة التّحكيم، وأراد أن نحيي الفنّ بأصوات جيدة، كدعم للفن العربي واللّبناني تحديداً. كنّا أمام مشروع فنّي لا تجاري. والتزمت بهذا الطلب المعنوي. ربما نكون ظلمنا وقتها وخصوصاً أنّ نجاح “سوبر ستار” لم يقلّ شأناً عن نجاح البرامج الّتي تحفل بها الشّاشات الفضائيّة والمحليّة اليوم.”

*****
تابعت بعض حلقات برنامج محبوب العرب (Arab Idol)؛ وإن لم أقم بالتصويت لاختيار أفضل المشاركين/ات، في أي من المواسم.
لم أومن يوماً بتقييم فني يعتمد على أسس تجارية لا فنية، أو يعتمد على عنصرية عرقية؛ وإن آمنت بضرورة دعم المواهب الشابة الواعدة، بغض النظر عن موطنها، أو جنسها، أو أصولها العرقية، أو المذهبية، كما آمنت بضرورة النضال من أجل مجتمعات عربية ديمقراطية عادلة، تحترم المواطنة، والشراكة، وتفتح أمام الشباب الفرص اللامحدودة، كي ينطلق نحو المستقبل بخطى ثابتة، وإرادة صلبة حرة.

نشرت تحت: ظاهرة ثقافية/ يوم 21 كانون الأول 2014، على صفحات الأيام