قديماً قيل: كل كما تحب والبس كما يحب الناس. وإذا مددنا القول على سياقه؛ نجد أنه يمكننا أن نفكر ونعتقد ما نريد، ولكنّ علينا أن نتحدث وأن نتصرف وأن نخاطب الناس كما يحبون، أو كما يحب أصحاب القرار والسلطة منهم.
وإذا تساءلنا عن الثقافة المجتمعية التي أفرزت هذا الاعتقاد؛ وجدنا ذاك الفصل الحاد ما بين الخاص والعام، فما يجري داخل بيوتنا – فيما يخصنا- هو شأننا، وما يجري خارجها – فيما يخصنا أيضاً- هو شأن المجتمع وقيمه وأعرافه.
ولما كنت وأسرتي ممن يربطون ربطاً وثيقاً ما بين العام والخاص؛ توجهنا إلى الأهل والأصدقاء والأحباب، بدعوة لحضور مناسبة زواج ابننا الأكبر، على طريقتنا وكما نحب. كانت مناسبة فريدة لممارسة قناعاتنا الشخصية دون قيود تفرضها المناسبات العامة أحياناً.
كتبنا بطاقات الدعوة بما يتناسب مع مفاهيمنا. وكانت اللغة أداة تعبيرنا عن هذه المفاهيم. اعتبرنا أن الفرحة هي فرحة الأسرة، وأن المناسبة تخص المرأة/الأم كما تخص الرجل/الأب. وجهنا الدعوة باسم الأسرتين، رجالاً ونساء، وأرسلنا البطاقات باسم أفراد الأسرة جميعاً. كانت مناسبة للإقرار بوجود المرأة وبشراكتها للرجل، وتجنب كل ما يجعلها ملحقاً وتابعاً له.
عبرت والدة العروس عن سعادتها بطريقة الكتابة بقولها: أسعدني ذكر اسمي في بطاقة الدعوة، فلم نتعود أن يرد اسم المرأة حين تتم الدعوة إلى مناسبة تخص أحد الأبناء. وعبر الكثير من أصدقائنا عن إعجابهم بطريقة الكتابة، وبتصميم البطاقة؛ ولكن بعض الأهل والأصدقاء، لم يخفوا امتعاضهم من ورود أسماء زوجاتهم قبل أسمائهم، على مغلف بطاقات الدعوة الخارجية.
وإذا كنا نعيش ضمن مجتمع أبوي، يعلي من قيمة الرجل ومنزلة الرجل، ويستهين بعمل المرأة وجهد المرأة، وإذا كان هذا المجتمع يعترف للمرأة بدور رئيس هو الدور الإنجابي؛ أفلا تعطى قيمة تذكر للأم التي أنجبت وربت وتعبت في مجتمعها الخاص، واحتفلت بتسليم هذا الشاب وتلك الفتاة إلى المجتمع العام مرة أخرى؟!
هل يقلل من احترام الرجل، أو من هيبة الرجل، أن يسبق اسمها اسمه حين تحتفل بانفصال ابنها أو ابنتها عنها كي يكوّنا أسرة خاصة بهما؟! ألا تفخر هي بأنها ربت ابناً أو ابنة تحمل اسم عائلة زوجها؟!
إذا استنكر المجتمع على المرأة تنظيم فعالية تخصها على الصعيد الشخصي؛ فكيف يمكن أن يتقبل مشاركتها الأوسع، وتنظيمها فعالية على المستوى الجماعي؟!
وإذا كانت المعايير والقيم مجرد صيغ تاريخية تعوّد المجتمع عليها؛ فإن الصراع حول القيم والمفاهيم يشكل أحد أشكال التقدم في المجتمع، الذي يساهم في ترسيخ أشكال وقيم ومعايير جديدة.
ومن الملاحظ أن الكثير من القيم والمفاهيم تغيرت وتبدلت بعد صراع مع الواقع حيناً، ومع الضرورات الاقتصادية حيناً آخر. لقد تعرض النظام الأبوي لهزات أصابت بعض أسسه، نتيجة تحولات اجتماعية تركت أثرها عليه، لكنه ما زال يحمل تأثيراً في المجتمع بشكل مباشر حيناً، وبشكل غير مباشر حيناً آخر.
وإذا كانت تقارير التنمية البشرية العالمية، والعربية، تشير إلى ضعف مشاركة المرأة في هيئات صنع القرار، وخاصة على المستوى السياسي، وإذا كانت الهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية تركز على العمل على صعيد السياسة والاقتصاد؛ فإن عملاً لا يقل عن هذه الصعد أهمية ينتظر المثقفين والمثقفات، والمربين والمربيات، على صعيد الثقافة والفكر والتربية، على طريق بناء مجتمع يعتمد على المساواة الاجتماعية بين الجنسين.
وإذا كان التغيير في الوعي يحتاج مقاربات فكرية ونظرية؛ فهو يحتاج بالقدر نفسه إلى ممارسات اجتماعية تعبر عن هذا التغيير. وإذا كان الإنسان المقهور أو المستلب، لا يحرر أوطاناً ولا يساهم في عملية التحرر، وإذا كانت الحرية تؤخذ ولا توهب؛ فإن المرأة مدعوة إلى أخذ حريتها بيدها، وممارسة قناعاتها الاجتماعية والثقافية، إلى جانب قناعاتها السياسية والاقتصادية.
عبرت واحدة من قريباتنا عن رأيها، فيما اختلف عليه، حول صيغة توجيه الدعوات، بقولها: طريقة جديدة، يستنكرها بعضهم الآن؛ لكنها سوف تصبح عادية لاحقاً، ولن يستنكرها أحد. نحن نستبق الزمن. ربما.