زواج الأبناء: انفصال عن الأهل أم اتصال بالحياة

"أولادكم ليسوا لكم

أبناؤكم أبناء الحياة"

جبران خليل جبران

لطالما آمنت بكلمات جبران خليل جبران، ورددتها بيني وبين نفسي، ومع الأصدقاء، حين كان يدور النقاش، حول علاقة الصغار بآبائهم وأمهاتهم؛ لكن الكلمات ارتدت بعداً آخر، عشية زواج ابنتي. أطل الفرح، برأسه اولاً، ثم بجسمه كله، وظلل الأسرة بسعادة من لون خاص. سعادة استقرار الحبيبة بزواجها، وبناء أسرة تخصها، وامتزجت السعادة بألم البعد ولوعة الفراق.

نظرت إلى الصبية، وهي تحمل السيف لتقطع قالب الحلوى، مع عريسها الشاب. ارتفع السيف وهوى برفق داعب مخيلتي؛ لتنطلق الطفلة من عقال الشابة.

برزت الطفلة التي كبرت خارج الوطن، وتوزعت حياتها بين منفى ومنفى، حتى تاريخ عودتها إلى الوطن. تراءت صور طفولتها وشبابها، ومرت عبر شريط سينمائي، توافق مع الشريط الذي أعدته بنفسها، ليعرض على الأهل والأصدقاء، الذين شاركونا فرحة الاحتفال بزفافها. انتقلت الابنة من مرحلة الطفولة، إلى مرحلة الشباب؛ وانفتح باب الذكريات على مصراعيه، للحظات عشعشت في الذاكرة. انفتحت الحكايات، والذكريات، وأطلت ومضات صور ولحظات من حياة الشابة/ الطفلة، وتجمدت اللحظات المميزة، وألحّت على الذاكرة.

ومن مصر إلى فلسطين إلى دبي إلى إنجلترا إلى عمان، بدا المشوار طويلاً؛ لكنه تراءى لي قصيراً، مرَّ بسرعة البرق.

لم تغن الطفلة للطبيعة الجميلة المجردة، أو للمطر والسحاب، أو للدمى والعرائس. غنت للشجر الذي يشبه الحرب، وللشعب الذي يشبه المطر، وللقلب الذي يشبه الوتر. غنت مع الأطفال، الذين كبروا خارج الوطن، مع كورال عباد الشمس، في القاهرة، من كلمات الشاعر المصري، زين العابدين فؤاد:

"ولا يشبهك يا حرب غير الشجر

وحده اللي قال: للخضرة كوني الحدود

ولا يشبهك يا شعب غير المطر

وحده اللي قال: للصحرا عشق وغروب

ولا يشبهك يا قلب غير الوتر

لما الغنا يطلع عتابا وبارود

لما الغنا يطلع عتابا وبارود"

غنت الطفلة مع الجوقة – من كلمات الشاعر محمود درويش- للوطن الحلم، الذي تاقت إلى احتضانه، ليس برموشها فحسب؛ بل بكامل وجودها:

"لأجمل ضفة أمشي

فلا تحزن على قدمي من الأشواك

إنَّ خطاي مثل الشمس لا تقوى بدون دمي

لأجمل ضفة أمشي

فلا تحزن على قلبي من القرصان

إنَّ فؤادي المعجون كالأرض

نسيم في يد الحب

وبارود على البغض

لأجمل ضفة أمشي

فإما يهترئ نعلي أضع رمشي

نعم رمشي

ولا أهفو إلى نوم وأرتجفُ

تعالوا يا رفاق القيد والأحزان

كي نمشي

لأجمل ضفة نمشي

فلن نقهر

ولن نخسر

سوى النعش"

مشت الصبية للضفة الأجمل، فوخزها ما رأت، وأوجعها. لم تجد حرية الوطن ولا حرية المواطنة. وبقيت صورة الوطن، التي حفظتها في رموشها، هي الأجمل. عزفت آمالها وأمنياتها على آلة البزق، وحاولت تحقيق أحلامها، من خلال فضاء رحب، هو فضاء العلم والمعرفة.

*****

ما الذي تقوله الأم لابنتها؟! ما الذي يبوح به القلب للقلب، والفؤاد لقطعة منه؟! أيتها الطفلة الشابة، المتوجة على عرش قلبي، إصنعي حياتك المستقلة، وسوف تجدينني وأسرتك دائماً إلى جانبك وحولك، إذا ما احتجتني، وسوف يبقى الوطن بانتظارك وزوجك، وبانتظار جميع أبنائه المحبين، ليظللكم ويحتضنكم.

*****

وَشْوَشَتْني الذكريات:

ما الذي يبقى بعد طول عمرٍ سواي؟!