تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الشعب الفلسطيني: ذاكرة حية جيلاً بعد جيل

وقف المحتلّ الإسرائيلي المستعمِر، ومعه الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الغربية؛ لدى معركة "طوفان الأقصى"، في 7 أكتوبر 2023 وكأن تاريخ الصراع بدأ مع هذا التاريخ، وتناسى أن الشهر ذاته مرتبط لدى الفلسطينيين بمجازر عديدة اقترفتها دولة الاحتلال، لم ولن ينساها مهما مرّت السنوات؛ مجزرة الدوايمة 29 أكتوبر 1948، وقبية 15 أكتوبر 1953، وقلقيلية 10 أكتوبر 1953، وكفر قاسم 29 أكتوبر 1956، وحمامات الشط 11 أكتوبر 1985.
مذبحة الدوايمة (غرب الخليل)، التي كان أكثرها فظاعة؛ قتل 75 شيخاً مسناً لجأوا إلى مسجد القرية، وإبادة 35 عائلة فلسطينية، ونسف عدد من البيوت بمن فيها، و"قد حرص الصهاينة على إلقاء الجثث في بئر القرية لإخفاء بشاعة المجزرة، التي كشفت عنها صحيفة حداشوت الإسرائيلية".

ومذبحة قبية (شمال القدس)، التي كان نتيجتها سقوط 69 شهيداً، ونسف 41 منزلاً ومسجد وخزان مياه القرية، وإبادة أسر بكاملها.

ومذبحة قلقيلية، التي حدثت بعد تصريح "موشيه ديان": "سأحرث قلقيلية"، وراح ضحيتها أكثر من 70 شهيدأ.

ومجزرة كفر قاسم (جنوب طولكرم)، التي حدثت عشية العدوان الثلاثي على مصر، وكان نتيجتها "وعلى مدى ساعة ونصف سقوط 49 شهيداً و13 جريحاً".

ومذبحة حمامات الشط (جنوب تونس)، التي استهدفت مكاتب وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، والتي نتج عنها سقوط 50 شهيداً، ومائة جريح.

*****

ركّز المحتلّ الصهيوني، على خطورة حركة المقاومة الإسلامية – حماس، وأعلن أنه لن يكفّ عن تدمير غزة إلاّ بعد اجتثاثها، وكأن الحركة نبتاً شيطانياً يمكن القضاء عليه؛ وكأنها ليست جزءاً أساساً من نسيج الشعب الفلسطيني. هذا الشعب الذي يحترم الاختلاف والتعددية، والذي صمد وقاوم قبل تأسيس حركة حماس عام 1987، وقبل انطلاق حركة التحرير الوطني الفلسطيني - فتح، عام 1965، وانطلاق التنظيمات الفلسطينية كافة، وما زال يصمد ويقاوم، مع تنظيمات المقاومة، لإنجاز هدف رئيس، وهو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري العنصري على أرض فلسطين، وتحقيق الاستقلال الوطني.

*****

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أن المذابح التي يقترفها في غزة، ما هي إلاّ  دفاع عن النفس، وردّ مشروع على هجوم 7 أكتوبر، من أجل القضاء على حركة المقاومة الإسلامية – حماس؟

وإذا كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي قد تعوّدت على تبرير عدوانها المتواصل على الفلسطينيين منذ خمسة وسبعين عاماً، فماذا عن الدول التي ساندتها، وامتنعت عن إدانة العدوان الهمجي على قطاع غزة؟ ماذا عن الدول العربية التي التزمت الحياد؟ وماذا عن وسائل الإعلام الغربية التي تردّد ما تسمعه من دولة الاحتلال، دون تدقيق، كما تقتضي المسؤولية الإعلامية وأخلاقية المهنة؟

ما يغيب عن العديد من دول العالم، وعن وسائل الإعلام الغربية، أن إسرائيل هي دولة احتلال، وأن الشعب الفلسطيني شعب محتلّ، ولذا يصبح من العجيب أن يكون هناك حق للدفاع عن النفس لدولة احتلال، تملك رابع أقوى جيش في العالم، حسب US News، وتسجن شعباً بأكمله، وتقطِّع أوصاله ضمن كانتونات عازلة، وتصادر أرضه، وتبني جدار فصل في أراضيه المحتلة، كأحد تجليات سياساتها التوسعية العنصرية، وتنتهك حقوق الإنسان وليل نهار.

كما ان دولة الاحتلال تنتهك القانون الدولي بشكل واضح – حسب التقرير الذي قدّمته المقرّرة الخاصة المعنيّة بحالة حقوق الإنسان في فلسطين - فرانشيسكا ألبانيز -  إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة – لأن الاحتلال من المفترض أن يكون مؤقتاً، وقد طال أمده، وألاّ يضمّ إقليم محتلّ ويستولي على أراضيه بالقوة، وقد ضمّ أراض محتلة،  وأن يراعي مصلحة السكان، ويتصرّف بحسن نية، وبالطبع لم يراع يوماً مصلحة السكان أو حقوقهم، ولم يتصرّف بحسن نيّة، ولذا يكون وجود إسرائيل في فلسطين نوعاً من أنواع الاستعمار "من هذا المنطلق، يشكّل الاحتلال الإسرائيلي استخداماً غير مبرّر للقوة، وعملاً عدوانياً، وهذا الاحتلال محظور بشكل لا لبس فيه بموجب القانون الدولي، ويتعارض مع قيم الأمم المتحدة، ومقاصدها ومبادئها، على النحو المنصوص عليه في ميثاقها".

*****

ما الذي تحفظه ذاكرتنا حين نروي عن غزة، سوى العدوان تلو العدوان، والمجزرة تلو المجزرة، والمعاناة والصمود والمقاومة التي يتبعها معاناة وصمود ومقاومة؟

يذكر الفلسطينيون في غزة المجازر التي اقترفها جيش الاحتلال، وما يزال، على مدى خمسة وسبعين عاماً، وفي الوقت ذاته يذكر المقاومة التي خاضها أبناء الشعب الفلسطيني، دفاعاً عن الأرض والثقافة والهوية؛ نساء ورجالاً.

لن ينسى أبطال جيب الفالوجة (شمال شرق غزة): الفالوجة، وعراق سويدان، وعراق المنشية، وصمودهم الأسطوري، ومقاومتهم الباسلة، مع الجيش المصري، عام 1948، ثم تصدّيهم للقوات الصهيونية المعتدية، بعد خروجه، عام 1949.

وقبل هذا؛ لن ينسى الشهداء الأبطال: "محمد جمجوم"، و"عطا الزير" (الخليل)، و و"فؤاد حجازي" ( صفد)، الذين أعدمتهم السلطات البريطانية، عام 1930، لمشاركتهم في ثورة البراق عام 1929 ولمقاومتهم مصادرة أرضهم بالقوة.

لن ينسى القائد "عز الدين القسام"، الذي استشهد في أحراش يعبد، عام 1935، أو القائد "عبد القادر الحسيني"، الذي استشهد في معركة القسطل، والشاعر عبد الرحيم محمود، الذي استشهد في معركة الشجرة، عام 1948، أو الضابط السوري "جول جمال"، الذي استشهد في حرب السويس، عام 1956. لن ينسوا "فاطمة غزال"، التي استشهدت وهي تشارك في ثورة 1936، أو "حياة البلابسة"، التي استشهدت وهي تسعف الجرحى في قرية دير ياسين، عام 1948، أو "رجاء أبو عماشة"، التي استشهدت في القدس، في مظاهرة لإسقاط ضد حلف بغداد، عام 1955، أو "شادية أبو غزالة"، التي استشهدت في نابلس عام 1968، وكانت أول شهيدة فلسطينية، بعد عام 1967، أو "دلال المغربي"، التي استشهدت عام 1978، بعد أن "أقامت أول جمهورية فلسطينية، ورفعت العلم الفلسطيني، في عمق فلسطين المحتلة" كما عبّر الشاعر نزار قباني.

وسوف لن ينسى شهداء وجرحى غزة، منذ عام 1948، مروراً بشهداء معركة الفرقان 2008-2009، والعصف المأكول والبنيان المرصوص 2014، ووحدة الساحات 2022، وحتى طوفان الأقصى 2023. ذاكرتنا حيّة، وسوف تبقى حيّة جيلاً بعد جيل.