عليكِ منا السلام أوديت نمر/ ابنة الناصرة

“لازم النساء يكون إلها دور في تغيير المجتمع. التحرر في المجتمع لا يمكن يكون إلاّ بمشاركة الجنسين في الكفاحات السياسية-الاجتماعية”. أوديت نمر
*****
حين يذكر اسم الرائدة ابنة الناصرة/ أوديت نمر؛ يذكر مرتبطاً بالريادة النسوية التقدمية، منذ الخمسينيات، وبارتباطه بالعمل الدؤوب، والعطاء اللامحدود، على الصعيد السياسي والاجتماعي، منذ اختيارها الانتماء لعصبة التحرر الوطني، بعد النكبة مباشرة، ثم التحاقها بحركة النساء الديمقراطيات، والأطر الجماهيرية للحركة، التي عملت من خلالها؛ حتى رحيلها يوم 13/2/2015.
*****
عاشت طفولة صعبة، مع فقدان الوالد في عمر السنتين؛ مما اضطرها لترك المدرسة في سن مبكرة، ودفعها لممارسة هواية المطالعة بشغف، ومتابعة التواصل مع زميلات المدرسة. أثرت النكبة عليها، والتحقت بعصبة التحرر الوطني وهي في سن الخمس عشرة:
“بعد النكبة بسنة حصلت حادثة مهمة. خالي كان عضو في عصبة التحرر. مرّة أجا شخص من الحيّ وسأل عنه. قال لي: إنهم عم بشتغلوا على تجميع مواد غذائية للاجئين في الحي الشرقي، فقلت له: إني راح أساعد. نزلت على الحيّ الشرقي وما لاقيت حدا، وفهمت إنه أخذوا الناس على المسكوبية. رحت على المسكوبية، وشفت شاحنات لترحيل السكّان، وشفت كمان أشخاص ممددين على الأرض لمنع سفر الشاحنات. سألت عن هاي الناس، وقالوا لي عنهم: شيوعيّون. بعد هاي الحادثة، أخبروني الناس عن وجود جمعيّة نسائية إسمها النهضة النسائية، وإنه هاي الجمعية تابعة للحزب الشيوعي. رحت عليها، وقلت لهم إني أنا حابّي أنضمّ. كان عمري يومها 15 سنة”.
قدمت طلباً للانضمام إلى الحزب، وجاءتها الموافقة بعد شهرين:
“كان دستور الحزب إنه يكون الواحد أكبر من 18 سنة. دخلت الشبيبة، وكنت البنت الوحيدة. في غير بلد، مثلاً بكفرياسيف أو الرامة، كان فيه بنات عرب، بس بالناصرة ما كان فيه بنات. قالوا لي: يلاّ جمّعي بنات للشبيبة. ونجحت إنه نقيم خليّة للبنات داخل الحزب”.
*****
يذكر باعتزاز وتقدير كبيرين الدور الفاعل للمناضلة في العمل الجماهيري؛ من مظاهرات، واعتصامات، وإضرابات، وتوزيع المناشير، وكتابة الشعارات بالشوارع، وكانت معظم هذه النشاطات تتم ليلاً:
“قبل بيومين من إلغاء الحكم العسكري، لما كان فيه قرار بالكنيست على إسقاطه. قلنا لازم نعمل إشي بهاي المناسبة، المهم ما بدّي أذكر وين! بس الشبيبة اجتمعت بمحل معين، قسم جاب خيش وقسم جاب نشارة خشب وقسم بسّة، قصّينا إنسان طول متر ونص، وحطينا بقلبه البسّة وعبّيناه نشارة، وحطّينا إشارة إكس على بطنه وكتبنا “الحكم العسكري جثّة ميّته يجب إسقاطها”، وراحت الشبيبة الساعة تنتين الصبح، لأنه بهاي الساعة دورية البوليس بتتغيّر بالشوارع، وعلّقوا هذا الشخص في ساحة العين على شجرة الخرّوب الكبيرة. عملوا فرقتين، إثنين طلعوا فوق على الشجرة وأربعة أو خمسة من تحت عشان يرموا الحبلة بالشجر. أنا قمت الساعة ستة الصبح، بهاي الساعة كانت العمّال تنزل بالباصات ع العمل، وما وصلت ع العين وللا الساحة مليانة عمّال يضحكووووا (ضاحكه)، حتى البوليس كان واقف يضحك. كان بأيام قليلة قبل إلغاء الحكم العسكري. كان بهديك الفترة لازم تفرجي قوّة لأنه العدو كان شرس وبدّو يكسّر مناخيرنا بمعنى إنه نرحل ونزهق وما نقعد بهاي البلاد”.
كما يذكر للمناضلة دور بارز في قيادة المظاهرات السياسية، وخاصة مظاهرة أول أيار عام 1958، حيث اعتقلت وقدمت إلى المحاكمة:
“الخلية قامت بدور كبيرعام 1958 لمّا السلطة منعتنا من الإحتفال بأول أيار. الحزب قرَّر إنه بالقوة لازم تصير مظاهرة. أنا بهديك الفترة كنت مسؤولة عن الأشبال بالشبيبة. بهاي المظاهرة، صار فيه مواجهات بين الشيوعيين وعناصر الشرطة والجيش، واعتقِل أكثر من 400 من الرفاق، ومنهم 6 نساء، وأنا واحدة منهم. قررنا قيادة الأشبال في الناصرة إنه همّ اللي يبدأوا المظاهرة بالرغم من منعها. في هذا الوقت الجيش كان متواجد بساحة العين. صارت الأشبال تيجي من الشارع الرئيسي، ومن حارة أبو جابر، ومن الحارة الشرقية، ومن حارة العرقية، وحارة النمساوي، وتجمّع حوالي 700 ل 800 ولد. الجيش إنصرع (ضاحكة)، وصار يسأل: من وين أجوا هدول؟ المهم البوليس صار يضرب بالأولاد والكل يهتف، وتجمعت جماهير كبيرة على العين من كل النواحي. المعركة صارت بساحة العين ولليوم هاي الساحة بسمّوها عنا ساحة أول أيار.
أخذونا على سجن الجلمة، هناك نمنا ليلة، وبعدين أخذونا على سجن الرملة. مرّة جمّعت البنات وقلت لهم: تعالوا نغني، وصرت أغني لهم: “عليك مني السلام يا أرض أجدادي”، وقلت لهم: هاي الأغنية منعوها عنّا بالمدرسة”.
*****
قضيتان شغلتا “أوديت نمر” طيلة حياتها، من خلال عملها ضمن حركة النساء الديمقراطيات، والأطر الجماهيرية للحركة: العمل التنظيمي والعمل الجماهيري.
ترأست لجنة الناصرة (لجنة للنساء الحزبيات وغير الحزبيات)، التي هدفت إلى توحيد نساء الناصرة، والتي تأسَّست عام 1976، بعد يوم الأرض، وبعد تأسيس حزب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.
ومن الملاحظ أنها ربطت بين الحقلين السياسي والاجتماعي باقتدار وفاعلية: “علمتهم خياطة، وكانت النساء تقول لهم: إحنا تربية “أوديت”، لما كانت تعلمنا خياطة كانت تعلمنا سياسة”.
*****
الغالية أوديت نمر،
يعزّ عليَّ أن يصدر الكتاب الذي يحتوي شهادتك، بعد رحيلك؛ لكن العزاء هو أن مكانتك محفورة في الذاكرة الجماعية، وأن شهادتك سوف تلهم جيلنا، والأجيال الفلسطينية القادمة، وتدفعهم/ن إلى العمل لتحقيق الحلم المشترك، حلم الوحدة والتحرر والاستقلال.
عليكِ منا السلام. معكِ، سوف نغني للأمل، وللجمال، وللصمود:
“عليك مني السلام يا أرض أجدادي/ ففيك طاب المقام وطاب إنشادي/ عشقت فيك السمر وبهجة النادي/
عشقت ضوء القمر والكوكب الهادي/ والليل لما اعتكر والنهر والوادي/ والفجر لما انتشر في أرض أجدادي/ أهوى عيون العسل أهوى سواقيها/ أهوى ثلوج الجبل ذابت لآليها/ هذي مجاري الأمل سبحان مجريها/ سالت كدمع المقل في أرض أجدادي/ يا قوم هذا الوطن نفسي تناجيه/ فعالجوا في المحن جراح أهليه/ إن تهجروه فمن في الخطب يحميه/ يا ما أحيلي السكن في أرض أجدادي”.