المناضل حمدي مطر: في ذاكرة الشعب الفلسطيني والعربي

يرتبط اسم المناضل حمدي مطر؛ بثلة من المناضلين الفلسطينيين، والقادة المؤسسين لحركة القوميين العرب، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: د. جورج حبش، ود. وديع حداد، والشهيد أبو علي مصطفى، وأبو ماهر اليماني، كما يرتبط اسمه بالمناضلين العرب، وطلاب الحرية عبر العالم.

لم يكلّ أبو سمير، الذي ولد يوم 18 آب 1931 يوماً من النضال في سبيل القضية الفلسطينية والقضايا العربية، منذ تهجيره يافعاً، من قريته قالونيا/ قضاء القدس، مروراً بشبابه، وكهولته، وسنوات نضاله، حتى رحيله، في العشرين من حزيران عام 2014.

كان لديه إيمان لا يتزعزع بعدالة القضية الفلسطينية، وبحتمية العودة، ولم يثنه عن إيمانه اعتقال أو صعوبات: "لازم نرجع؛ لإنه كل ما يحبسوني: إهدا يا راجل، أقول: كل ما تعتقلوني بتزيد قناعتي لحبي لوطني، وعدالة قضيتي، والله ما فيه قضية أعدل من هالقضية! ناس يجوا يحملوك ويكبّوك برَّه، طب الإستعمار بيجي بحتل البلد، بياخد خيراتها، إما إنه يجي يرمي المواطنين برّه؛ ما صايرة في الدنيا إلاّ عنا! الإستعمار إستيطاني إجلائي إحلالي. إذا فيه إي بلد في الدنيا صار اتعرَّضت للّي تعرضت إله فلسطين! بعدين هالصمود معجزة، بكل أنحاء العالم".

 

*****

من خلال توثيق تجربته الشخصية، ضمن مشروع التأريخ الشفوي لذكرى التهجير عام 1948، (الذي تنفذه مؤسسة الرواة للدراسات والأبحاث)؛ فتح المناضل مخزون ذكرياته، ليساهم في كتابة التاريخ الاجتماعي لفلسطين.

تحدث عن والده المناضل "محمد مطر الخطيب"، الذي كان مع الثوار، واعتقل خمس مرات:

"كان مع الثوار، رُحت أزوره في سجن عكا، أعطاني هدية طاقيتين بيض منسوجات نسج، وعليهم علم فلسطين. هاي أول مرة بركب بسيارة، لإنه رُحنا على يافا، ومنها لعكا، وزرنا أبوي، وروّحنا، عام 38".

وحين يصف قريته؛ تتبين علاقته العاطفية بالقرية الجميلة:

"على أساس أرض خضرة، وميّه وينابيع، طبعاً الينابيع مشهورة بقالونيا، فيها 12 عين. كانوا أهل البلد بعبّوا الميِّه للشرب، وكل إشي من العيون اللي في البلد، بتذكر فيه أول عين الجسر، بعدين عين الليمونة، بعدين عين الفواكه، وعين الجوز، وعين فرحان فيها، شباب راحوا هناك من القدس، عبوا قنينة، وجابوا لي اياها، شربت منها، وعين الشانية، وعين العصافير، وعين الجاج، كلها موجودة في البلد. استمرت الحياة هيك؛ لصار مشروع التقسيم عام 1947".

وحين يذكر يوم التهجير؛ يروي ما حدث بألم شديد. يتحدث عن المؤامرة، وعن المقاومة:

"على أثر مشروع التقسيم؛ وقفت الحياة والعلاقات مع اليهود نهائياً، نتيجة الخطر، وبلشوا يحضّروا حالهم، جمعوا فلوس، وبعثوا لجنة على سوريا تجيب سلاح، ومع الأسف فشلت، وأذكر أنه فيه ناس باعوا بقرتهم واشتروا بارودة، ووزّعوا حراسات على أهل البلد. كان يجي مناضلين من القرى المجاورة، ويصدوا الاعتداءات، وبعدها تيجي دبابة الإنجليز تطلق الرصاص؛ يضطروا ينسحبوا. تم الفر والكر ليوم خمسة نيسان. صارت المآسي الثلاثة؛ دير ياسين، واستشهاد "عبد القادر الحسيني"، واحتلال القسطل. كان أول شغلة نسفوها المدرسة، واحتلوا البلد في 12/4/48".

ومن قالونيا، إلى بيت سوريك، إلى بدّو، إلى القدس، إلى عمان؛ يروي المناضل رحلة تهجير مريرة كما العلقم:

"وضلينا في القدس ثلاث تشهر، على أمل الاستمرار فيها لحتى ما سقطت اللد والرملة. أبوي قال: راحت البلد. اتفق هو وعمي، إنه نيجي على عمان، بشهر تموز".

*****

وتبدأ مرحلة جديدة في الأردن، يستهلها الراوي بالعمل بالكسارات لفترة وجيزة، ثم بالبلدية، وبعدها محاسباً في شركة الكهرباء، مدة عشرين عاماً، اعتقل خلالها خمس مرات/ موقوفاً إدارياً، حتى مشاركته ضمن حركة القوميين العرب، عام 1953؛ حيث تعرَّف من خلال أحد مدِّرسيه على د. جورج حبش، حيث أدّى قسم الإخلاص لمبادئ التنظيم: وحدة تحرر ثار، لاسترداد فلسطين، ثم تعرَّف على د. وديع حداد، ليصبح مسؤوله التنظيمي.

ومن خلال الحركة قام المناضل ورفاقه بعملين هامين: تأسيس جريدة الرأي، التي كان صاحب امتيازها د. أحمد طوالبه"، من إربد، ورئيس تحريرها د. جورج حبش. ثم تأسيس النادي القومي الرياضي، الذي كان ضمن هيئته التأسيسية، حيث "كان مطبخاً لتنظيم الناس في الحركة، عملنا فريق كرة قدم، فريق كشافة"، واستمر حتى إغلاق النادي عام 1957. وساهم في تأسيس نواة للحركة في مخيم الكرامة، وانتخب عضواً في قيادة إقليم الأردن عام 1965. أما لدى تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين 1967؛ فقد انتخب ضمن قيادتها السياسية والعسكرية، ولجنتها المركزية. وكان عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني.  

 

*****

في تعليق بليغ على فشل اتفاقية أوسلو؛ يذكِّر المناضل بالمعاهدة التي وقعها مصطفى النحاس مع بريطانيا عام 1936، وألغاها عام 1951، قائلاً: "عملت المعاهدة مع الإنجليز من أجل مصر، وألغيتها من أجل مصر".

"أنا عضو مجلس وطني، وإجا عنا الرئيس أبو مازن على المجلس الوطني، وقال: إنه هاي إتفاقية أوسلوا يا بتوصِّل لدولة، يا بتوصِّل للجحيم، واضح إنها هلأ بتوصِّلنا للجحيم. طب إلغيها، سوّي زي مصطفى النحّاس.

*****

آمن المناضل بدور النساء في معركة التحرير، كما آمن بقدرة الشعب الفلسطيني على الانتصار. سمَّى ابنته الكبيرة أسمى، لإعجابه بالمناضلة السورية العربية، الرائدة "أسمى موقع"، التي جاءت إلى الأردن لتشارك في مظاهرة سياسية، عام 1955. وسمى ابنته الثانية انتصار، لإعجابه بالمناضلة الفلسطينية العربية، الرائدة "انتصار عباس جردانة".

 

*****

من اللافت للنظر لدى قراءة شهادة المناضل؛ ربطه مأساة دير ياسين، باحتلال القسطل، وباستشهاد القائد عبد القادر الحسيني؛ الأمر الذي يدلل على وعي عميق بأهمية وجود قيادة حكيمة للشعب الفلسطيني؛ قادرة على دراسة أسباب الهزيمة، ووضع الخطط التكتيكية والاستراتيجية؛ لتحقيق الحرية لشعبها.

 

أيها القائد والمناضل العنيد،

مفتاح الوالد في جيبك، ومفتاحك في جيب أولادك، ثم في جيب أحفادك، وأبناء شعبك؛ حتى العودة التي لا بديل عنها، مهما طال الزمن.