العالم يقول كلمته: “آن أن تنصرفوا”

ارتبط وجود الاحتلال الإسرائيلي بممارسة العنف بأقصى درجاته ضد الشعب الفلسطيني، مع إدارة الظهر للقوانين والأعراف الدولية كافة، وحقوق الإنسان، منذ مجازر التطهير العرقي، وتهجير أبناء الشعب الفلسطيني عام 1948، على يد القوات الصهيونية، والتي استمرَّت بأشكال مختلفة، حتى اليوم.

ولم يستسلم الشعب الفلسطيني يوماً لجلاده. قاوم الاحتلال والعدوان بوسائل النضال المتعددة، من الكفاح المسلح، إلى المقاومة الشعبية، إلى النضال ضمن المحافل الدولية، ومؤسسات حقوق الإنسان، والعمل الثقافي، في سعي دائم لفضح سياسة الاحتلال الاستيطاني التوسعي العنصري، ولمطالبة المجتمع الدولي بمحاسبة الاحتلال على جرائمه، وأساساً لإنهاء الاحتلال، ونيل الاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية على أرضه.   

"برّه يا احتلال برّه"، "ع المكشوف وع المكشوف..احتلال ما بدنا نشوف".

 شعارات رفعها المتظاهرون الفلسطينيون، ضد قرارات ترامب الجائرة، وضد الاحتلال الإسرائيلي في آن، هذه الشعارات العفوية التي تعبِّر عن حقيقة موقف الشعب الفلسطيني، بمكوّناته كافة.

لم يفكر الشباب يوماً بالمناداة بوقف عنف الاحتلال، أو تخفيفه؛ لإدراكهم أن العنف مرتبط بالاحتلال، وأن تخفيف العنف، أو الكفّ عنه لن يجعل الاحتلال أخفّ وطأة، أو أكثر احتمالاً.

لا يريد الشعب الفلسطيني احتلالاً ناعماً، أو رحيماً. لا يريد سوى إنهاء الاحتلال العنصري الاستيطاني، ونيل الحرية.

"إنكلعوا من هون"، كما عبَّرت الطفلة "عهد التميمي"، ببساطة وعفوية،

" آن أن تنصرفوا"، كما عبَّر الشاعر "محمود درويش"،

 "بالروح..بالدم..نفديك يا فلسطين"، "عيش حرية..فلسطين عربية"، "الشعب يريد تحرير فلسطين"، "المقاومة مستمرة"،  "بالدم بالروح..الأرض مش ح تروح"، كما عبَّرت الشعوب العربية.

 "القدس عاصمة فلسطين"، "كلنا نريد العدالة لفلسطين"، "فلسطين حرّة"، كما عبَّرت شعوب العالم.

*****

ردَّ أطفال فلسطين على خطاب ترامب، بطريقتهم، بعضهم اكتفى بالمشاركة في المظاهرات  المندِّدة بالخطاب، وبأمريكا، وبالاحتلال الإسرائيلي، وبعضهم لم يكتف، ولم يجد وسيلة أفضل من صدره لمواجهة جيش الاحتلال، وببضع حجارة يرشقهم بها. 

وكان جيش الاحتلال بالمرصاد؛ الرصاص الحي، وقنابل الغاز، في مواجهة الحجارة، والهتافات، والصدور العارية للشباب الغضّ والأطفال. "بعد خطاب ترامب الأخير اعتقل في الخليل وحدها حوالي أربعين طفلا".

*****

صورتان لطفلين تصدَّرتا وسائل الإعلام؛ صورة الطفل "فوزي الجنيدي" (16 عاماً)، من الخليل، مكبلاً ومعصوب العينين، أثناء اعتقاله على يد كتيبة من الجيش الإسرائيلي.

وصورة الطفلة "عهد التميمي" (17 عاماً)، من قرية النبي صالح؛ تصفع جندياً من جنود الاحتلال، وتطرده من ساحة بيتها.

 خرج "فوزي" من بيته لزيارة عائلية، يوم 7 كانون الأول 2017، وتصادف مروره بالفرب من مواجهات في منطقة شارع التفاح في الخليل؛ ليفاجأ بجندي يعتدي عليه بالضرب على صدره بسلاح m 16، وتبعه عدد من الجنود؛ ليتوالوا على شتمه وضربه، وهو ملقى على الأرض، واصطحبوه إلى المعتقل معصوب العينين، حافي القدمين، وعذَّبوه أثناء التحقيق، بينما كان مكبلاً بالأصفاد الحديدية.

أما "عهد التميمي"، فهي طفلة فتحت عينيها على الاعتداء على أفراد عائلتها وعلى أبناء قريتها. وقفت قبل خمس سنوات في وجه الجنود الذين اعتقلوا والدتها "ناريمان التميمي"، لتصرخ في وجوههم: "إنكلع ع بلدك"، ثم لتمنع اعتقال شقيقها محمد (11 عاماً)، بالتعاون مع والدتها وعمتها، حين جلس جندي على يده المكسورة، محاولاً شلّ حركته. وفي يوم 15 كانون الأول 2017؛ لم تتمالك عهد نفسها حين شاهدت الجنود يقتحمون بيتها ويحتلوه كي ينصبوا كميناً لشبان في البيت المجاور قبل عدة أيام، خاصة أنهم كانوا قد أطلقوا عياراً معدنياً على الشاب "محمد التميمي" (15 عاماً) اخترق وحهه؛ صفعت واحداً من الجنود المدججين بالسلاح، وصرخت: "إطلع".

الرسالة واضحة: لا مكان للمحتلين بيننا.

*****

في محاولة لأسطرة الطفلين؛ كتبت الصحف العربية: "فلسطين لا تلد أطفالاً بل أبطالاً".

"فوزي الجنيدي..الفتى الأسطورة، أيقونة انتفاضة القدس".

"عهد التميمي.. جميلة فلسطين، البطلة، وأيقونة الانتفاضة الثالثة".

هل صحيح أن إطلاق لقب "أسطورة" على طفل في سن السادسة عشر سوف يخفف من مصاب العائلة؟

"ثمة ما يُخفف عن العائلة مُصابها ويشد من أزرها؛ فالفتى غدا "أسطورة" تجسد صمود فلسطينيين".

وأن جائزة "حنظلة للشجاعة" التي تسلمتها عهد عام 2012، في تركيا، والاحتفاء بها في فلسطين عام 2015؛  يمكن أن يعوِّضها ويعوِّض عائلتها عن الأذى البدني والنفسي الذي أصابها من المحتل؟ 

وهل صحيح أن امهات فلسطين ينجبن أبطالاً فقط؟ هل يولد الطفل بطلاً؟

جاءت الإجابة على لسان الطفلة الشابة عهد: "مش بس لحالي، كل أطفال فلسطين بيعملوا هيك".

"واجبي أطلع، لكن في كاميرا صورتني، في ناس عملوا أكثر بس ما كان حدا يصوّرهم. "علي الدوابشة" اللي حرقوه في دوما، ما كانش حدا يصوّره".

"عهد التميمي"، الطفلة التي فتحت عينيها على المستوطنات والحواجز والقتل والتعذيب، والتي قتل الاحتلال طفولتها، وصادر أحلامها؛ تتمنى أن تصبح لاعبة قدم لو أن بلدها تتمتع بالحرية: "موضوعي المفضل الرياضة"، "لو ما فيش احتلال كنت لاعبة كرة قدم".

*****

ما هو واجبنا تجاه أطفال فلسطين؟ أن نمجدهم؟ ونتغنى ببطولاتهم؟ وبعدد الشهداء منهم؟ وعدد المعتقلين؟

أم أن واجبنا تجريم قتلهم، واعتقالهم، وتعذيبهم، وتوفير الحماية القانونية لهم، عبر ملاءمة التشريعات التي تكفل حمايتهم من أشكال العنف كافة، ومن أي إساءة عقلية أو بدنية أو أي إهمال أو استغلال، بالإضافة إلى توفير البرامج الاجتماعية لتوفير الدعم لهم، وللإبلاغ عن أي إساءة إليهم، لمتابعتها والتحقيق فيها، ولتدخل القضاء إذا اقتضى الأمر؟

 أليس واجبنا الدفاع عن حق أطفالنا في اللعب، وفي التعلم، والتمتع بصحة بدنية وذهنية سليمة، وفي مستوى معيشي ملائم؟ والحق في حرية الحركة، والمشاركة بالنشاطات الثقافية، والفنية، وفي التعبير عن رأيهم؟ عن حقهم الأصيل في حياة حرة، في مجتمع حر، على أرض حرّة؟

أطفال فلسطين، لوطنكم الحرية، ولكم الحياة.