النظام السياسي الفلسطيني: إصلاح أم تغيير بنيوي؟

أجمع العديد من الفلسطينيين على حدوث تغيرات كبرى فلسطينياً، منذ إلغاء الانتخابات، وبعد انطلاق الهبة الفلسطينية العارمة من القدس، منتصف شهر إبريل 2021 وتوهجّها في غزة الباسلة، وامتدادها لتشمل فلسطين من بحرها إلى نهرها؛ لمقاومة العدوان الإسرائيلي الاستعماري المتواصل على شعبنا، والتي تستدعي التقاط اللحظة التاريخية والبناء عليها.

وظَّف الفلسطينييون إمكاناتهم وطاقاتهم السياسية والإعلامية والإنسانية، كي يثبتوا أنهم شعب واحد، وأن قضيتهم واحدة، ومصلحتهم واحدة، وأعلنوا بوضوح أنهم لا بدّ أن يكونوا شركاء في تقرير مصيرهم، واتّسع النقاش بينهم، وامتدّ داخل التنظيمات والمؤسسات الأكاديمية والحراكات؛ لمحاولة الإجابة على العديد من القضايا قيد النقاش فلسطينياً:

كيف نستعيد الوحدة الفلسطينية؟ هل نصلح النظام السياسي أم نعيد بناءه؟ هل نرمِّم أم نغيِّر؟ هل لدينا مشروع وطني متكامل للواقع الذي نعيش وللمستقبل الذي نريد؟ كيف يمكن أن يكون فلسطينيو 48 جزءاً من المشروع الوطني الفلسطيني؟ وهل هناك فارق بين فلسطين ودولة فلسطين؟

أجاب عدد من المؤسسات، وبعض القوى والحراكات واللجان على هذه الأسئلة بشكل عام دون تحديد الوسائل، وقدَّم عدد منها بعض الإجابات التي تطرح وسائل وآليات محددة.

تركَّزت الإجابات على طريقين. في حين تحدَّثت قوى سياسية عديدة وبعض مؤسسات المجتمع المدني، وبعض الأفراد، عن حاجة النظام السياسي إلى إصلاح، أكَّد بعض المؤسسات، والقوى، والحراكات، أن الإصلاح لا يكفي، وأن هناك حاجة إلى تغيير في بنية النظام السياسي، بعد أن استعادت فلسطين وجهها التحرّري، واشتدت الحاجة إلى التغيير، وصياغة مشروع تحرّر متكامل، يستفيد من تجارب الماضي، ويقرأ الحاضر بشكل نقدي، ويؤسِّس للمستقبل، خاصة بعد التلاحم العظيم الذي أظهرته قوى الشعب الفلسطيني، في المزاوجة بين أشكال النضال كافة، ضمن معركتها المستمرّة ضد مؤامرة التطهير العرقي، ومخططات الاستيطان، وكافة مؤامرات الاحتلال،

وهكذا، وبعد أن توحَّد الشعب الفلسطيني في كل مكان من أجل هدف واحد، كل بطريقته وامكاناته، أصبح لزاما على فصائله السياسية وقواه الحيّة أن تتوحَّد بهيئاتها القيادية، هذه الهيئات التي ستفقد شرعيتها وحتى مبرر وجودها إن هي تخلّفت عن شعبها.

ورغم اتفاق القوى والمؤسسات والأفراد شكلياً، على أولوية إنهاء الانقسام وترتيب البيت الداخلي، وتحقيق الوحدة الوطنية؛ إلاّ أنه لم يجر تغيير على الأرض، وبالتالي يتكرر الفشل الذي عرفناه منذ بدأت حوارات المصالحة المكوكية عام 2007، التي اتصلت وانقطعت مراراً وتكراراً؛ مما سبَّب إحباطاً كبيراً لدى الشعب الفلسطيني ومناصري قضيته عبر العالم.

وبعد هذا كله، يتركّز الاختلاف على الأولويات؛ حصرها بعض الأكاديميين والمثقفين، بشخص رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية؛ الإقالة أو الاستقالة؛ مما يعني اللجوء إلى حل فردي غير ديمقراطي، يستبعد الانتخابات وسيلة ديمقراطية لتبادل السلطة والتغيير.

ركّزت حركة فتح على أولوية تشكيل حكومة وفاق وطني تلتزم بالشرعية الدولية؛ وذلك لأسباب عديدة منها أن ذلك يسرِّع في إعادة إعمار قطاع غزة، ويمكّن العالم من تكثيف ضغوطه على إسرائيل لحلحلة المواضيع المتعلقة بالقدس مثل قضية الشيخ جراح وحي سلوان، أما حركة حماس فقد ركّزت على أولوية إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل مجلس وطني توافقي وقيادة وطنية مؤقتة، ودعت حماس والجهاد الإسلامي إلى الاتفاق على أسس الشراكة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية.

وأكَّدت مجموعة من القوى السياسية، منها الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب وفدا والمبادرة الوطنية على أولوية تشكيل قيادة وطنية موحدة، لصياغة استراتيجية نضالية للشعب الفلسطيني، وجدَّدت الدعوة للالتزام بقرارات المجلس الوطني والمجالس المركزية، التي رفضت اتفاق أوسلو، ودعت لوقف التنسيق الأمني مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، ودعت إلى إجراء الانتخابات.

وأطلق الملتقى الوطني الديمقراطي مبادرة أساسها التغيير البنيوي؛ بهدف الإنقاذ الوطني، اقترح عبرها رزمة متكاملة لإحداث تغيير في البنية السياسية والتنظيمة والقانونية الفلسطينية، تكوَّنت المبادرة من أربعة مقترحات جوهرية، ومقترح للآلية، شملت المقترحات استعادة الوحدة الوطنية، وإعادة بناء هيئات منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى رأسها المجلس الوطني الفلسطيني، - ربطتها بشكل مباشر بإجراء الانتخابات العامة، والاتفاق على برنامج سياسي، يلتزم بالاستقلال الوطني ويؤكد على حقوق اللاجئين، ويحدد العلاقة مع أهلنا في 48 - وإنشاء حكومة فصائلية بمشاركة كفاءات مستقلة، تتعاون مع المجتمع الدولي، ولكن ترفض شروط الرباعية المهينة، وتشكيل لجنة وطنية قانونية لمراجعة بعض القوانين وتعديلها بما في ذلك قانون الانتخابات، أما الآلية فاقترحت تشكيل جسم قيادي مؤقت لحين إنجاز المهمات الأربع.

*****

بناء على ما سبق؛ أعتقد أن الدعوة الآن لفتح أوسع حوار بين القوى السياسية، والشخصيات، والحراكات بمختلف أنواعها، وخصوصاً الشبابية، ومؤسسات المجتمع المدني، أصبحت أمراً لا يحتمل الانتظار، وأن الطريق الصحيح ليصل هذا الحوار إلى مبتغاه أن يتم بشكل منهجي وديمقراطي حقيقي ومسؤول، وأن يشمل هذا الحوار الآليات التنفيذية التي تضمن تحقيق ما يتم الاتفاق عليه بالسرعة والكفاءة المطلوبتين.

ولعل أهم هذه الآليات التنفيذية هي الانتخابات. أعتقد أنه لا يمكن أن نخطو خطوة راسخة على الأرض على طريق ترتيب بيتنا الداخلي؛ دون تغيير ديمقراطي بوسائل ديمقراطية، أي بإجراء الانتخابات، لا بالتوافق الوطني، ولا يمكن أن تتحقق الوحدة دون شراكة حقيقية بين مكوِّنات الشعب الفلسطيني كافة، في القرار السياسي، وبالأدوات التنظيمية القانونية، وفي البنية الاجتماعية والثقافية، كما لا يمكن أن تتحقق الوحدة دون الفصل بين السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ودون إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، والاتفاق على برنامج سياسي، والاتفاق على المشروع الوطني الجمعي، القادر على هزيمة المشروع الصهيوني الاستعماري العنصري، وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني بالحرية وتقرير المصير والعودة.