"لا أستطيع التنفس": لا بديل عن العدل

"عندما تكون المكائن والحواسيب، والدوافع الربحية، وحقوق الأملاك العقارية؛ أهم من البشر؛ يستحيل قهر التوائم الثلاثة العملاقة: العنصرية والمادية والسياسة العسكرية؛ لأنه بمجرد حصول ثورة حقيقية في قيمنا؛ ستجعلنا على الفور نمعن النظر في الكثير من سياساتنا، في الماضي والحاضر، ونتساءل فيما إذا كانت نزيهة وعادلة".                                                                                            مارتن لوثر كينج

                                                                                                         

"لا أستطيع التنفس"

"إنهض عنّي/ ركبتك فوق عنقي/ معدتي تؤلمني/ رقبتي تؤلمني/ كل شيئ يؤلمني/ أرجوكم؛ لا أستطيع التنفس/ لا أستطيع/ سوف يقتلونني".

 لم تستطع التنفس "جورج فلويد"، وبدوري لا أستطيع،

أصرخ مع ملايين  البشر عبر العالم؛ لا نستطيع التنفس؛ وركبة العنصرية والتمييز والاستعمار والكراهية فوق أعناقنا/ كل شيئ يؤلمنا؛ الرقبة، والظهر، والمعدة، واليدان والرجلان، والقلب.

توقف قلب جورج فلويد؛ لتدقّ قلوب الملايين؛ سود وبيض، وتصرخ: لا للعنصرية/ لا لأنواع التمييز كافة،

 لا للقتل/ ولا للعنف/ ولا للعسكرة،

ضد ترامب، وحكومته، وضد كل الحكومات الفاسدة في العالم،

ضد الظلم، وضد الطغيان،

ضد الخوف، وخطاب الكراهية، وضد تجارة الأسلحة،

معاً؛ لمحاكمة القتلة،

"حياة السود مهمة" "Black Lives Matter"

حياة البشر مهمة؛ أينما وجدوا، وكيفما كانوا، وحيثما حلّوا،

معاً؛ ننتصر لإنسانيتنا،

لا بديل عن المساواة، ولا بديل عن العدل.

*****

تُذَكِّر صرخة "جورج فلويد" "George Floyd" (46 عاماً) قبل مقتله؛ بصرخة "إيريك غارنر" "Eric Garner" (43 عاماً)، قبل مقتله. الصرخة التي أطلقها غارنر 11 مرة؛ بعد إحكام القبضة على عنقه: "لا أستطيع التنفس".

ويذكِّر مقتل جورج فلويد على يد الشرطة الأمريكية بمقتل العديد من الأمريكيين، غير المسلحين، من أصول إفريقية؛ فيلاندو كاستيل "Philando Castile" في ولاية مينيسوتا، ومايكل براون "Michael Brown" وترايفون مارتن "Trayvon Martin" في ولاية ميسوري، وتانيشا أندرسن "Tanisha Anderson" في ولاية كليفلاند/ أوهايو، وغيرهم وغيرهم من النساء والرجال، الذين قتلوا بسبب التمييز العنصري، وانعدام المساواة، وما زالوا يقتلون بسبب التمييز واللامساواة، والإفلات من العقاب.

*****

يذكِّر القتل بالقتل، والصرخة بالصرخة، وخنق حرية التعبير بخنق حرية التعبير، والإفلات من العقاب بالإفلات من العقاب،

تلوح صورة الفلسطيني "إياد الحلاق" (32 عاماً)؛ حين قتل بدم بارد، في فلسطين؛ كلما لاحت صورة الأمريكي "جورج فلويد"؛ الذي قتل دون أن تطرف عين القاتل.

وتلوح صورة الصحافي الفلسطيني "معاذ عمارنة"؛ حين فقد عينه اليسرى؛ خلال توثيق اعتداءات عناصر حرس الحدود الإسرائيلي، على أهالي بلدة صوريف/ شمال الخليل يوم 15 تشرين الثاني 2019؛ كلما لاحت صورة الصحافية الأمريكية "ليندا تيرادو" "Linda Tirado"؛ التي فقدت عينها اليسرى؛ بينما كانت توثِّق المظاهرات الاحتجاجية على مقتل "جورج فلويد"، يوم 5 حزيران 2020؛ وتبرق صورة الصحافية الأندونيسية "فيبي أندا"  "Veby Indah" التي فقدت عينها اليمنى؛ بينما كانت توثِّق مظاهرات احتجاجية، في هونغ كونغ، يوم 3 تشرين الأول 2019.

*****

"إن الوباء الناجم عن فيروس كورونا ليس هو من قتل الرجل صاحب البشرة السمراء، بل قتله وباء آخر هو وباء العنصرية والتمييز في الولايات المتحدة الأمريكية".

كلمات دالة وموجزة، قالها "بنجامين كرامب"؛ محامي "جورج فلويد"، أمام المعزين، في مينيابوليس، أثناء مراسم تأبينه، الذي شارك فيه الآلاف من الأمريكيين.

أما القس "آل شاربتون" فقد أكَّد، في عبارة موجزة عميقة؛ أن الاحتجاجات سوف تتواصل إلى أن "نغيِّر نظام العدالة بأكمله".

وما أحوجنا إلى ذلك.

*****

وإذا كان قاتل "جورج فلويد" هو وباء العنصرية والتمييز/ الفيروس النيو- ليبيرالي؛ فمن هو قاتل الشاب "إياد الحلاق"، المصاب بالتوحد، على باب الأسباط في القدس، بينما كان متوجهاً إلى مدرسته؟ 

من هو قاتل النساء؛ المسعفة "رزان أشرف النجار"، والناشطة النسوية "أمل مصطفى الترامسي"، في غزة، والطالبة "لينا النابلسي"، في نابلس؟   

من هو قاتل الأطفال؛ "محمد أبو خضير" (16 عاماً)، في شعفاط، و"محمد علي الكسواني" (11 عاماً)، في بيت حنينا، و"عثمان حلس (14 عاماً)، في مدينة غزة، و"بهاء الدين سمير بدر" (12 عاماً) في رام الله؟ و"إيناس شوكت دار خليل" (5 سنوات) في قرية سنجل/رام الله؟ وغيرهم وغيرهم؟

القاتل في فلسطين؛ وباء الاستعمار الاستيطاني الصهيوني العنصري؛ الذي يطوِّق عنق فلسطين منذ 72 عاماً.

هذا الوباء؛ الذي أفرز عدداً كبيراً من القوانين العنصرية، التي تنتهك قواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني، والشرعية الدولية؛ لخدمة نظام عنصري مبني على التمييز ضد الفلسطينيين؛ جسَّده قانون الدولة القومية اليهودية.

 ولن يكون هناك سلام في العالم بأسره؛ ما لم نعيد النظر في سياساتنا؛ نناضل معاً؛ للقضاء على الأوبئة جميعها؛ نستأصل الاستعمار، والاحتلال الأجنبي، والتمييز، وأشكال العنصرية كافة، وسياسات الاقتصاد النيو–ليبرالية المتوحشة؛ كي تتحقق العدالة للبشر جميعاً.

faihaab@gmail.com