المرأة في تجربة وفكر الحكيم جدلية النظرية والممارسة

في مدينة رام الله، وبمناسبة مرور أربعين يوماً على رحيل الحكيم، في التاسع والعشرين من آذار، وفي الندوة الفكرية التي أقامتها لجنة التأبين الوطنية، بالتعاون مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: "أضواء على تجربة وفكر الدكتور جورج حبش"؛ وحين كلِّفت بالحديث حول "المرأة في تجربة وفكر الحكيم"؛ فاجأتني ندرة الوثائق المدوَّنة، حول هذا الموضوع؛ الأمر الذي جعلني أنبِّه إلى أهمية جمع المدوَّن وأرشفته، وجعلني أعتمد في ورقتي، على مصادر شفوية.

 

*****

"إلى رفيقة العمر أم ميساء:
أرفع رأسي فأجدك بجانبي كما أنتِ؛ فأشتعل استعداداً لمواصلة الدرب، الذي اخترته؛ أو اخترناه معاً، وكأنني في اليوم الأول للثورة.
لقد كنتِ الحبيبةَ والزوجةَ والأمَّ والأختَ والرفيقةَ والصديقةَ في آن".

*****

تلخص كلمات الحكيم، موقفَه من المرأة: كلمات دالة، كتبها إلى زوجه عام 1998م، عند صدور كتاب: "التجربة النضالية الفلسطينية: حوار شامل مع جورج حبش"، عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
لقد جسَّد الحكيم بكلماته الموجزة موقفاً جلياً من المرأة، فهي الشريك، في الأسرة وفي الحياة السياسية.
جسَّدت حياة الحكيم الشعاراتِ التي رفعها، والمبادىءَ التي آمن بها واعتنقها.
لم يفرض شيئاً على زوجه منذ بداية ارتباطهما، حتى آخر لحظة من عمره. كان صادقاً وواضحاً.
"أحب الموسيقا والشعر والطبيعة، وكانت لديه نفسيةُ شاعر وأديب وقلبُ أم"، على حد تعبير ميساء.
لم يمارس الحكيم أية سلطة أبوية في البيت. كان صديقاً وودوداً وحنوناً، يعبِّر عن مشاعره بشكلٍ واضح، وبكلمات رقيقة جميلة، رغم قلة تواجده مع العائلة.
"عمره ما مارس سلطة في البيت، تجاه الزوجة أو الأولاد. ما فيه قمع. ما فيه فرض للرأي. ما عمري شعرت إنه بيتدخَّل في تفاصيل. هذه هي صورة الرجل في ذهني. على كبر: الرجل هو اللي بيمارس السلطة؛ كرهته. صورة الرجل (بابا) مخالفة للواقع". هكذا عبَّرت لمى.
وانسجاماً مع فكره، والتزامه مبدأ الحوار مع بناته؛ ناقش موضوع الدراسة الجامعية معهما، مقترحاً المكان الأنسب للدراسة، المتوافق مع إمكانياته المادية المتواضعة، ولم يتدخل في اختيارهما لموضوع الدراسة، كما أكَّدت ميساء. "كل الوقت؛ اللي بيقوله بيمارسه. يأخذ القرارات ويبدأ بنفسه. كنت أحب أدرس في بيروت، في الجامعة الأمريكية؛ لكن الوالد حاورني حول ضرورة ممارسة فكرنا: إحنا نروح على الدول الاشتراكية".

تحمَّلت أسرة الحكيم ظروفه السياسية بالغة الصعوبة، من اعتقال وتشريد وتهديد بالاغتيال، فكان على زوجه مسؤولية حمايته، واعتبرت أن هذه مهمتها منذ اللحظة الأولى لارتباطهما. كان عليها أن تغيِّر البيت بشكل دائم، وأن تغيِّر مظهره الخارجي، وأن تلقِّن ابنتيهما أسماءَ جديدة، في كلِّ مرَّة ينتقلون فيها إلى بيتٍ جديد.


"منذ اليوم الأول لارتباطي به؛ شعرت بمسئولية كبيرة تجاه أمنه وسلامته، فأصبح هاجس الأمن خبزي اليومي. كنا نفهم المسؤولية على أنها تفانٍ وعطاء؛ وليست مكتسبات وامتيازات".
"كان أكبر نصير للمرأة، كان يقول: الأخلاق لا تتجزأ، تبدأ بالبيت"، مذكراً "بوضع المرأة العربية، ودورها وسط مجتمع يمارس الاضطهاد على ثلاثة صعد: القومي، والطبقي، والاجتماعي".
حذَّر الحكيم من نزعتين خاطئتين: محافظة ومنفلتة، مؤكداً على أهمية مراعاة ثقافة المجتمع، دون أن تكون عائقة للتقدم.


وعلى صعيد تنظيم الجبهة؛ آمن بأن المرأة يجب أن تتبوأ أعلى المواقع القيادية، وأن تأخذ فرصتها كاملة، وأن تناضل على الجبهات السياسية والعلمية والثقافية كافة.
ويتبيَّن انعكاس فكر الحكيم التقدمي، بشكل عملي؛ من خلال مؤتمرات الجبهة، منذ المؤتمر الثالث عام 1972م، حتى المؤتمر السادس عام 2000م.


خلال مؤتمر الجبهة الثالث، تم التشديد على مساواة المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، وفي عام 1979م، اعتمدت الجبهة يوم الثامن من آذار عيداً تحتفل به كل عام، ليس بإصدار بيان خاص في المناسبة فحسب؛ بل من خلال برنامج للعمل الجماهيري، ومن خلال تنفيذ برنامج الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، ومن خلال تثقيف داخلي للرفاق في الجبهة، حيث حرصت الجبهة على أن يشمل البرنامج التثقيفي الداخلي كتباً تخص قضايا المرأة، كما أكَّدت ليلى خالد.
وفي المؤتمر الرابع للجبهة، تقرر اعتماد قانون داخلي للأحوال الشخصية، ليكون ملزماً لأعضاء الجبهة، يتضمن موقفاً من موضوع المهر، ومساواة في اللوائح المالية، وفي لائحة التقاعد، وفي التأمين الصحي، وفي العلاوة للأولاد.
وقد لعب الحكيم دوراً أساسياً داخل أطر الجبهة، كي تشتمل قوائم الترشيح كافة على نساء. وفي المؤتمر السادس عام 2000م؛ وصلت ثلاث نساء إلى عضوية المكتب السياسي للجبهة، كما ازداد عدد النساء في عضوية اللجنة المركزية.
كان للحكيم دور واضح ليس فقط في طرح القضايا؛ بل في متابعتها بدأب، وبأدق التفاصيل؛ الأمر الذي أثَّر على عدد من الرفاق في التنظيم، ودفعهم إلى البحث والقراءة المعمَّقة، وتنظيم جلسة لموضوع المرأة في المكتب السياسي، وكان هذا قبل وجود رفيقات عضوات في المكتب السياسي.


"كان يبعث نقد لمجلتنا: صوت المرأة". كان يتتبع الجانب الإعلامي والفكري، هو ورفيقه الشهيد أبو علي مصطفى". كما أكَّدت ليلى خالد.


وكان يتابع دور الرفيقات، في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، دون أن يملي عليهن أية أفكار، كما أوضحت وداد قمري:


"عمره ما اقترح: كيف نبدأ؟ إنضجوا الفكرة ونفذوها". "إياكم تتعصَّبوا". "علينا ان نكون صبورين في مواجهة اختلاف الرأي". "فيه طرف وإحنا عنا اطراف. عليكم تحترموا الرأي الاخر حتى لو ما قبلتوه".
"في المؤتمر الثالث للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، سألنا الحكيم قبل المؤتمر: شو الأشياء المختلفين عليها؟ البرنامج الاجتماعي؟ لا، الثقافي؟ لا، المهني؟ لا. بتقدروا تشتغلوا مائة سنة عليها. الخلاف على قضايا تنظيمية وسياسية؟ مش مشكلة: إنجزوا مهام للمرأة".

*****

 هي دعوة لإنجاز مهام للمرأة، على رأسها إنضاج وثيقة حول قضايا المرأة، تتبناها الجبهة، طرحت منذ عام 1981م؛ لكنها لم تنجز حتى هذا التاريخ. ولعل إنضاجها وصدورها يشكِّل محطة مميزة وفاء لتجربة القائد وفكره التقدمي، الذي "يؤمن إيماناً عميقاً بجموع الشعب بجناحيه: المرأة والرجل"، وبقدرة الشعب على إنجاز الاستقلال الوطني والتحرر الاجتماعي.