ما العمل؟ رؤية شبابية أم رؤى؟

في الإجابة عن السؤال الذي يفرض نفسه مع كل منعطف تمرّ به القضية الفلسطينية؛ ما العمل؟ يبرز موضوع الشباب ليحتل الصدارة، أين الشباب في مراكز صنع القرار ليحدثوا التغيير؟ في المجلس الوطني الفلسطيني؟ في المجلس المركزي؟ في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير؟ في المكاتب السياسية للتنظيمات والأحزاب الفلسطينية؟ أين الشباب ضمن الفعاليات العديدة التي يتمّ تنظيمها؛ لمواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه الشعب الفلسطيني؟

وعلى الرغم من مشروعية الأسئلة؛ إلاّ أن المشكلة كما أعتقد؛ تكمن في أن العديد يعتبر الشباب كتلة واحدة متجانسة، تحمل رؤية شبابية واحدة، وهذا لا يعكس واقعها بدقة؛ لأن الشباب يحملون رؤى متعدِّدة. والأخطر أن طريقة طرح الموضوع تتناول غالباً الفئة العمرية لمن يحتلون مواقع صنع القرار، على كافة المستويات، دون ربطها بقضية الديمقراطية، وكأن وجود فئة عمرية شابة في مراكز صنع القرار، هو العصا السحرية التي سوف تُحدِث التغيير في الوضع الداخلي الفلسطيني، وسوف تقود الشعب نحو الحرية.

*****

لا شكّ أن الشعب الفلسطيني يعيش في ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وصحية متردّية، ولا شكّ أننا أمام منعطف تاريخي جديد، حيث يزداد الواقع صعوبة وقتامة، وتتعاظم المؤامرات، وتشتدّ الحاجة إلى مشاركة قطاعات الشعب الفلسطيني كافة في الحوار؛ وفي القلب منها الشباب؛ لبلورة إستراتيجية وطنية قادرة على إحباط رؤية ترامب ومخططات الضم، وتضمن هزيمة المشروع الاستعماري الصهيوني العنصري الإحلالي، ولتحديد الحلقة الرئيسة التي تضمن الخروج من الطريق المسدود، ما إذا كانت: إنهاء الانقسام؟ مراجعة التجربة الفلسطينية، الثقة بالقدرة على الانتصار؟ التأكيد على الرواية التاريخية الفلسطينية؟ بلورة ملامح المشروع الوطني الفلسطيني، وأولها إعادة الوجه التحرري للمشروع الوطني الفلسطيني؟

*****

ما الذي يحدد مواقفنا؟ فئتنا العمرية أم هويتنا السياسية؟

حدّدت موقفها من هذا الموضوع شابة فلسطينية من لبنان "مايا زبداوي"؛ ضمن ورقتها التي نوقشت في الجلسة الختامية لأعمال المؤتمر السنوي التاسع "فلسطين ما بعد رؤية ترامب ... ما العمل؟"، للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، يوم 31 آب 2020.

لم تكتف الشابة بطرح موقفها من هذا الموضوع؛ بل ربطته برؤية متكاملة للواقع السياسي، يجدر مناقشتها، بالاتفاق أو الاختلاف. ضمَّنت رؤيتها البعد الطبقي للصراع، وحدَّدت سبل الخروج من حالة الترهل التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها وضوح البرنامج السياسي، ووضوح الأيديولوجيا، وضرورة هدم وتفكيك وإعادة بناء التوجّه الإستراتيجي الفلسطيني:

"أرفض أن أُعَرَّف ناشطة شبابية، نحن لا نُعَرَّف بموقعنا العمري؛ نُعَرَّف بالهوية السياسية؛ حقي في الممارسة السياسية لأجل حماية قدرتي على الاشتباك، والعمل ضد الصهيوينة، وأتباع الصهيوينة. من الضروري أن يرتكز النضال على ثلاثة عناصر: التعليم التحرري، والتنظيم، والكفاح المسلّح. إن قواعد اشتباكنا تتحدّد أولاً بموقعنا الجغرافي، وثانياً بموقعنا الطبقي، وثالثاً بمنظومة الاستغلال التي تحكم حياتنا اليومية؛ التي تؤطِّر لنا مساحات مناورتنا، وطبيعة تحالفاتنا، ومعاركنا التكتيكية، وإن النضال ضد الاستعمار الإحلالي بصيغته الصهيونية هو جزء لا يتجزأ من نضال قاطني الدول العربية؛ ضد المنتظَم الرأسمالي القائم تحت حماية الأنظمة العربية".

*****

شارك العديد من الشباب في حضور جلسات مؤتمر "مسارات" (23 – 31 آب، 2020)، بالإضافة إلى أن المركز خصَّص جلستين لاستضافة عدد من الباحثات والباحثين الشباب؛ لتقديم أوراق بحثية؛ للإجابة عن سؤال "ما العمل"، شارك فيها عدد كبير من المهتمات والمهتمين؛ كان جلّهم من الشباب، من مختلف التجمعات الفلسطينية، بالإضافة إلى حضور المئات من الشباب لهذه الجلسات، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

قدّم خلال الجلستين تسع أوراق عمل، ناقشت سؤال ما العمل، والتحديات التي تواجه الشباب الفلسطيني، في مواجهة رؤية ترامب؛ طرحت فيها رؤى شبابية، اعتمدت على أهمية بث الأمل، وأهمية استنهاض فئة الشباب، وتعزيز دورهم، ضمن خطاب سياسي معاصر؛ توافقت الأوراق على أهمية تعريف المشروع الوطني الفلسطيني كمشروع تحرري، وقدَّمت تصورات لإعادة إصلاح وبناء وتطوير المنظمة، وتحديد مرتكزات للنضال الفلسطيني، وركَّزت على أهمية إصلاح الفصائل، واستعادة الثقة بين الجماهير الشابة والقوى السياسية، وضرورة التوافق الوطني لتحديد الهدف الإستراتيجي للمرحلة القادمة، والحل المرحلي، كما بيَّنت أهمية إعادة النظر في البناء الاجتماعي الفلسطيني، ومحاولة إصلاحه. وأكَّدت على ضرورة إنهاء الانقسام، ووضع أهداف موحدة للعمل السياسي للمرحلة القادمة.

كان نقاش الأوراق حيوياً في الجلستين، أكّد المعقِّبون/ات على أن الشباب يعيشون "في مرحلة الإجهاض لقدراتهم بسبب ضغوطات عدة"، وأكَّدوا على أهمية انتزاع الشباب لدور رئيس في العمل السياسي ككل "كيف يكون للشباب دور في ظل قيادة أصغرهم عمراً 70 عاماً؟! "حتى يصبح التغني بدور الشباب فعلياً"، بالإضافة إلى أهمية تفعيل دورهم المبادر، في تعزيز ثقافة المقاطعة، وتعزيز الصمود الفلسطيني في التجمعات المختلفة، ودورهم في الترويج للرواية الفلسطينية، وأهمية الوصول إلى مراكز صنع القرار، وتأطيرهم في أطر وطنية جامعة ذات بعد تحرري، والتعامل معهم بجدية، واستثمار طاقاتهم وقدراتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بعيداً عن الأحزاب السياسية. وتخلل الجلستين نقمة واضحة على الفصائل الفلسطينية، التي "استغلت الشباب، ولم تمكِّنهم من الوصول إلى المواقع القيادية، وساهمت في عزوفهم عن المشاركة السياسية". كان هناك اقتراح بتأسيس "برلمان شبابي عابر للجغرافيا يضم الشباب الفلسطيني في كل مكان ويكون مؤثِّراً بالفكر والساحة السياسية".

*****

من الضروري الانتباه إلى أن قوى الثورة المضادة، والقوى الرجعية والانتهازية تملك قوى شابة أيضاً، تمّ تدريبها، وإعدادها، وما زال؛ لضمّها إلى ترتيبات البيت الفلسطيني الداخلية، ومن الأهمية بمكان نقاش المفاهيم الديمقراطية، بين أوساط قطاعات الشعب الفلسطيني، وخاصة الفئة العمرية الشابة، لما تحمل من طاقات وقدرات، تجعلها في المقدمة للتصدي والاشتباك والمبادرة.

وأعتقد أن وجودها ضمن مواقع صنع القرار سوف يكون منطقياً وحتمياً؛ إذا ترسَّخت تقاليد العمل الديمقراطي في المجتمع الفلسطيني، وتمّ تداول السلطة، في مواقع صنع القرار جميعها؛ الرسمي والشعبي.