تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

إلى متى يظلّ الهمّ السّياسيّ أوّلاً؟

حين أدعى إلى مؤتمر أدبيّ أو مهرجان شعريّ خارج الوطن؛ بعيداً عن شؤون المرأة أو السّياسة؛ أقرّر الاستفادة من هذه الفرصة الفريدة إلى أقصى حدّ. هذه الفرصة التي قلّما تتاح لنا في بلادنا: فرصة الامتزاج  بآداب الشّعوب المختلفة وحضاراتها، والتعرّف إلى جديد العالم الفكريّ والنّظريّ والأدبيّ بعيداً عن مصطلحات الالتزام السّياسيّ والبعد النّسويّ.

 حين لبّيت دعوة إلى النّرويج الصّيف الماضي وبالتّحديد  إلى مدينة ستافنجر؛ كنت أتشوّق إلى الالتقاء بأدب العالم وشعره، والاستماع إلى شعراء العالم وتبادل الخبرات، وكان ذلك خلال مهرجان أدبيّ سنويّ يحضره كتّاب من مختلف بقاع الدّنيا تحت عنوان رئيس: مؤتمر للأدب وحرّيّة التّعبير A Conference of Literature and Freedom of Speech، حاولت الاستفادة إلى أقصى حدّ من هذا الجوّ الأدبيّ. وحين تجوّلت في القاعة الرّئيسة التي تستضيف المؤتمر؛ فوجئت بعنوان كبير: ستافنجر ونابلس، ورأيت زاوية تعرض فيها بعض الصّور التي تخصّ نابلس، وتبيّن معالمها، وآخر أخبار الاعتداءات الإسرائيليّة. عرفت أنّ ستافنجر هي توأم مدينة نابلس، وأنّ هناك لجنة تشرف على هذه التّوأمة، وتقيم نشاطات متوازية مع المدينة.

عندما التقيت بمنسّقة اللجنة Turid Oygard  وتعارفنا؛ أحسست أنّها تأثّرت إلى حدّ كبير حين عرفت أنّي من مدينة نابلس رغم أنّي أسكن مدينة رام الله. انحدرت دموعها حين عرفت أنّ لديّ شهادات نساء من مدينة نابلس يتحدّثن عن معاناتهنّ أثناء الاجتياح الكبير لمناطق السّلطة الفلسطينيّة إبريل الماضي. وفوجئت بأنّها طلبت منّي تقديم الشّهادات في جلسة من جلسات المؤتمر، باللغة الإنجليزيّة. ولمّا أجبت أنّ ذلك صعب لأنّ الجلسة التي اقترحتها كانت مخصّصة لمناقشة قضايا أدبيّة فلسفيّة؛ قدّمت طلباً مبرّراً إلى لجنة تنظيم المؤتمر من أجل  تغيير البرنامج لقراءة الشّهادات موضّحة أهمّيّتها.

وجدت نفسي أتحدّث في مؤتمر أدبيّ مخصّص لنقاش قضايا أدبيّة فلسفيّة بلسان نساء فلسطينيّات، وجدتني أحملهنّ وأحمل قضايا الوطن تحت جلدي. أحسست أنّ السّيّدة النّرويجيّة على حقّ حين لمست تأثّر القاعة المحتشدة بالكتّاب والأدباء بكلمات نساء فلسطين المعبّرة عن آلامهنّ وحقوقهنّ على هذا المجتمع الدّوليّ، وشاهدت دموع بعض الكتّاب تنحدر على وجوههم.

يحضرني هذا الموقف وأنا أستمع إلى أسئلة كاتبات وكتاب من السويد حول الوضع في فلسطين. تلك الأسئلة التي أجيب عليها الآن أثناء إقامتي في السويد حيث ألبّي دعوة من اتحاد كتاب السويد ضمن وفد من اتحاد كتّاب فلسطين.

حاصرتني أسئلة الكتّاب السّياسيّة حول الجدار العازل وحول الحواجز. كانوا يريدون معرفة أدقّ التّفاصيل عن أوضاعنا المعيشيّة ومعاناتنا وسرّ صمودنا. استعنت بكلّ ما يلزم من وثائق وشروحات لتوضيح وضعنا السّياسيّ المعقّد؛ ما جعل الكتّاب السويديين والكتاب الآخرين: من ألمانيا واليونان وإيستونيا…ألخ يتعرّفون إليّ وإلى أعضاء الوفد الفلسطيني من باب السّياسة قبل باب الأدب.

 

بلغ تأثّر كاتبة روائيّة سويديّة Agneta Klingspor ممّن عرفنا أن ضمّنت برنامجها الإذاعيّ الثّقافيّ الفريد في مادّته – والذي أذيع في 19/6/2003 – أغنية فلسطينيّة تتحدّث عن شهداء الانتفاضة (أغنية قوس قزح- من شريط: جناين الغنا لتامر أبو غزالة)، وأن تمزجها بحديث ثقافيّ اجتماعيّ سياسيّ؛ حيث الأغنية الإيرانيّة والمغربيّة والفلسطينيّة معاً، وحيث تتداخل قضايانا مع قضايا العالم. دعت الكاتبة مستمعيها إلى تخيّل حواجز عديدة يضعها النرويجيّون في ستوكهولم؛ ممّا يقطّع البلد إلى أجزاء ممزّقة ويعيق التّواصل بين النّاس. دعتهم إلى تخيّل حياتهم ضمن هذه الأجواء وكيف يمكن أن يكون حالهم. " أتخيّل أنّ النرويجيين قد وضعوا حواجز في ستوكهولم، لا أستطيع أن أذهب إلى المستشفى الجنوبي بسبب الحواجز في سكانستول Skanstull، لا أستطيع الوصول إلى المحطّة المركزيّة للوصول إلى ستوكهولم Stockholm، ولا الوصول إلى بيت شقيقتي في جوذنبيرج Gothenburg. إسرائيل تبني جداراً، جيتو، لا أستطيع سوى التّفكير في نظام الفصل العنصري".

وحين سألتني مذيعة أخرى عن الموضوعات التي أحبّ أن أكتب حولها بعد تحرير بلادي؛ أجبتها: هي الحياة بكلّ اتّساعها وغناها، نريد حريّة بلادنا وليكن ما يكون بعدها، سوف نكون أحراراً في اختيار موضوعاتنا، سوف نكون أحراراً في أن نكتب أو لا نكتب.

أردت أن أصرخ في شوارع فيزبي/ جوتلاند Visby/ Gotland حيث الإحساس الصّاعق بالجمال والحرّيّة: هلمّي أيّتها الحرّيّة، وليرفع محبّو الجمال والحياة أصواتهم ويحاصروا احتلال بلادنا البغيض، وكلّ احتلال آخر. نريد أن نتنفّس كبيقيّة شعوب العالم، وأن تكون لدينا حرّيّة رفض الحديث مع أجهزة الإعلام أو قبوله. نريد أن ننتج فناً، وأن نضيف كلمة إلى الثّقافة الإنسانيّة.