قالت شهرزاد: في يوم الجريح الفلسطيني/ رواية من مجزرة بيت حانون

ولما كان اليوم السادس عشر للعدوان الإسرائيلي الهمجيّ، على قطاع غزة الأبيّ، وفي صبيحة يوم الخميس، الرابع والعشرين من تموز، من العام ألفين وأربعة عشر ميلادية، والسادس والعشرين من رمضان، من العام ألف وأربعمائة وخمسة وثلاثين هجرية، وبعد أن قصفت المدفعية الإسرائيلية، بكل وحشية، مدرسة تابعة للأونروا في بيت حانون؛ حدَّثتني سيرين مصلح قالت: حدّثتني منار أحمد الشنباري، التي تبلغ من العمر أربعة عشر ربيعاً، والتي تسكن حي الأمل في  بيت حانون، والخوف يغلِّف صوتها، والحزن يظلِّل عينيها، عن المجزرة التي ارتكبتها المدفعية الإسرائيلية، في المدرسة التابعة لوكالة الغوث الدولية، التي لجأت إليها، مع ثمانمئة امرأة ورجل وطفل من سكان المناطق الحدودية، ممن شرِّدوا بعد تدمير بيوتهم، وقتل أحبائهم.

ما حدث أيها الجمهور السعيد، ذو الرأي الرشيد، أن الطفلة منار، التي كانت لا تتابع الأخبار، خوفاً من القصف والدمار، وبعد أن خرجت مع عائلتها إلى ساحة المدرسة، تمهيداً لمغادرتها، اتقاء لقصفها؛ قالت لوالدتها؛ إنها لا تريد الانتقال؛ خوفاً من الجيش الغدّار؛ لكن أمها طمأنتها، وأخبرتها بوجود وعد قاطع، من الناطق الرسمي في وكالة الغوث الدولية، بتأمين سلامة المدنيين في المدرسة الابتدائية، بعد أن أعطت الأونروا إحداثيات المدرسة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، كتدبير وقائي، لمنع الإغارة عليها ولضمان أمنها.

لم تبال الدبابات الحربية الإسرائيلية باتخاذ أية تدابير وقائية. أطلقت بكل هستيرية، خمس قذائف مدفعية، أصابت مئة من بينهم منار، وخمس وخمسون من الأطفال، وواحد وثلاثون من النساء.

بلغ عدد القتلى، يا سادة يا كرام، أحد عشر، بينهم  سبعة أطفال، بالإضافة إلى والدة وخالة وشقيقة الجريحة منار.

أصيبت الطفلة الجميلة، إصابة كبيرة، تركزت في اليدين، وفي الرجلين، كما أصابتها شظية استقرّت بالعمود الفقري، وأصابها نزيف بالصدر؛ الأمر الذي استدعى إجراء ثلاث عمليات جراحية، في مستشفى الشفاء في غزة، ثم في مستشفى المدينة الطبية، في عمان. بترت قدماها، واستئصل جزء من طحالها وجزء من أمعائها، وكان لا بدّ من تركيب طرفين صناعيين لها.

فتحت الطفلة قلبها، وتحدثت عن أملها في استئناف دراستها، بعد العودة إلى بيتها. ورغم أن المدارس في بيت حانون قد تدمَر جلّها؛ إلاّ أنها أعربت عن رغبتها، أن تستأنف الدراسة مع أشقائها، في بيت لاهيا وجباليا، إذا ما تأخرت عملية إعادة بناء المدارس في بلدها.

وحين استفسرت عن اهتماماتها وهواياتها، أيها الأفاضل؛ أشرق وجهها بالأمل والحبور، وتحدثت عن حبها للسباحة بكل سرور، وعن أملها أن تصبح مدرِّسة للرياضيات يوماً في مدرستها.

قابلت مع منار عمّها، الذي رافقها في سفرها. تحدّث حسن أحمد أيوب الشنباري، الموظف في مستشفى كمال العدوان، عن المجزرة التي حدثت في بلده بيت حانون، بصوت مجروح، وقلب مكلوم. وذكَّر أنها لم تكن أول مجزرة يقترفها جيش الاحتلال الإسرائيلي، بشكل غير إنساني، تحدَّث عن القصف الصاروخي، الذي طال أجزاء من القبور، إضافة إلى القصف المدفعي على المساجد والمدارس، كما ذكَّر بتدمير البنية التحتية للقطاع،  نتيجة الحصار المفروض على البلاد والعباد، وقطع الكهرباء والمياه، الذي يقطع سبل الحياة، وطالب بمحاسبة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتقديم كل جندي من جنوده إلى المحاكمة كمجرم حرب. 

تتساءلون عن خسائر العدوان، بعد واحد وخمسين يوماً من القصف والدمار، يا سادة يا كرام؟

بلغ عدد الشهداء ألفين ومئة وتسع وثلاثين، بينهم خمسمائة وتسع وسبعون من الأطفال، ومئتان وثلاث وستون من النساء، وبلغ عدد الجرحى أحد عشر ألفاً ومئة واثنين وثمانين، منهم ثلاثة آلاف وثلاثمائة وأربع وسبعون من الأطفال، وألفان وثمانمائة وثمانون من النساء.

دمَّر جيش الاحتلال ألفين وثلاثمائة وثمان وخمسين بيتاً بشكل كلي، وستين مسجداً، وبرجين سكنيين، وبرجين تجاريين، كانت تضم مكاتب للصحفيين.

تمّ تهجير داخلي لتسع وخمسين بالمئة من الأفراد من سكان القطاع المحاصر، وتعرَّض سبع وتسعون بالمئة منهم لانقطاع يومي للكهرباء، وتعرّض ثلاث وسبعون بالمئة من السكان لنقص في المياه، وعانت ست وأربعون بالمئة من الأسر من عدم القدرة على دفع تكاليف العلاج، وست وثلاثون بالمئة من الأسر واجهت عجزاً في تلقي الخدمات الصحية، لنقص الأدوية والأدوات الطبية، وووووووووووووو أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام الجراح

faihaab@gmail.com